بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى : (( وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ ))
ماهو الخشوع ؟
أجاب فضيلة الشيخ عبدالله بن صالح الفوزان حفظه وجزاه عنا خيرا
الخشوع في اللغة : هو السكون والانخفاض والهدوء .
قال تعالى : (( وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ )) [طـه / 108] .
أي : انخفضت وسكنت . وقال تعالى : ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً )) [ فصلت /39] .
أي : منخفضة ساكنة . والخشوع في الصلاة : حضور القلب بين يدي الله تعالى ، وسكون الجوارح ،
واستحضار ما يقوله المصلي أو يفعله من أول صلاته إلى آخرها ، مستحضراً عظمة الله تعالى وقربه من عبده ،
وأنه بين يديه يناجيه . والحامل على الخشوع هو الخوف من الله تعالى ومراقبته ،
والشعور بقربه من عبده وكلما امتلأ القلب بمعرفة الله تعالى ومحبته وخشيته و إخلاص الدين له وخوفه
ورجائه كلما قوي خشوعه .
والخشوع يحصل في القلب ثم يتبعه خشوع الجوارح والأعضاء من السمع والبصر والرأس وسائر الأعضاء حتى الكلام ، ولذا كان رسول الله صلي الله عليه وسلم واله وصحبه يقول في ركوعه :
((اللهم لك ركعت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت ، خشع لك سمعي وبصري ، ومخي وعظمي وعصبي وما استقل به قدمي )) أخرجه مسلم من حديث علي رضي الله عنه الطويل . فإذا خشع القلب خشعت الجوارح وظهر عليها السكون والطمأنينة والوقار والتواضع ، وإذا فسد خشوع القلب بالغفلة والوساوس فسدت عبودية الأعضاء ، وذهب خشوعها . والخشوع أمر عظيم شأنه ، أثنى الله تعالى على المتصفين به فقال تعالى
(( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ )) [المؤمنون/2] .
وهو سريع فقده لا سيما في هذا الزمان ، وقد ورد في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم واله وصحبه قال :
(( أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع ، حتى لا ترى فيها خاشعاً )) أخرجه الطبراني بإسناد حسن كما قال المنذري ، وله شاهد من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه عند الطبراني في الكبير [1]وغيره . والخشوع في الصلاة هو روحها ولبها ، ولا يحصل ذلك إلا لمن فرغ قلبه لها ، واشتغل بها عما عداها ، وآثرها على غيرها ، واستحضر فيها عظمة الله تعالى فصارت راحة له وقرة عين ، والصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب وإن كانت مجزئة مثاباً عليها ، إلا أن الثواب على حسب ما يعقل القلب منها ، لما ورد عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم واله وصحبه يقول
( إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته ، تسعها ، ثمنها ، سبعها ، سدسها ، خمسها ، ربعها ، ثلثها ، نصفها )) أخرجه أبو داود (3/3) والنسائي في الكبرى (1/211) وسنده حسن ، صحيح الجامع (2/65) . وقد حكى النووي [2]إجماع العلماء على استحباب الخشوع في الصلاة ، وهذا فيه نظر فإن الغزالي [3] نصر القول بالوجوب . والقرطبي حكى في تفسيره [4]القولين : الوجوب وعدم الوجوب وأنه من فضائل الصلاة ومكملاتها ،
ورجح الأول وممن قال بالوجوب الحافظ العراقي [5].
ورد على النووي حكاية الإجماع ، وممن قال بوجوب الخشوع شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى [6]. ومن الأدلة على وجوبه أن الرسول صلى الله علية وسلم توعد من رفع بصره إلى السماء ،
لأن هذه الحال ضد حال الخاشع ، وسيأتي ذلك . وعلى المسلم أن يحذر خشوع النفاق فقد ورد عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال إياكم وخشوع النفاق ، فقيل له : وما خشوع النفاق ؟ قال :
( أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع ) . فخشوع الإيمان خشوع القلب فيتبعه خشوع الجوارح ،
وخشوع النفاق ما يظهر على الجوارح تكلفاً وتصنعاً والقلب غير خاشع .
وأسباب الخشوع نوعان وكل منهما في مقدور المكلف :
الأول : جلب ما يوجب الخشوع ويقويه ، وهو الذي يسميه شيخ الإسلام ابن تيمية قوة المقتضي [7] . ويتم ذلك بالاستعداد للصلاة ، والتفرغ لها ، والطمأنينة ، وترتيل القراءة وتنويعها ، وتدبرها ، وتنويع الأذكار والأدعية وتدبرها ولا سيما في حالة السجود .
الثاني : إزالة الشواغل ودفع الموانع التي تصرف عن الخشوع
وهذا هو الذي يسميه شيخ الإسلام ضعف الشاغل وهو الذي جاءت فيه أحاديث الباب ، حيث تضمنت نهي المصلي عن أمور تنافي الخشوع أو تضعفه فيتعين على المكلف اجتنابها ليحصل له الخشوع .
فينبغي على المصلي إذا دخل في صلاته أن يعنى بها وأن يقبل عليها بقلبه وقالبه ،
حتى يحصل من الأجر والثواب والعاقبة الحميدة والتأثر بالصلاة مالا يحصيه إلا الله تعالى ،
لأنها صلة بين العبد وربه ، فيحذر ما يشغل قلبه .
وكثير من الناس إذا دخل في الصلاة جعلها فرصة للعبث إما ببدنه أو بثيابه أو بنظره هاهنا أو هاهنا ،
وهذا لا ينبغي بل يخشى عليه بطلان صلاته إذا كثرت الحركات
جعلنا الله وأياكم من الخاشعين في الصلاة وتقبل منا سائر اعمالنا